ما هي أهمية العائلة؟
لم يوجه الله عنايتنا إليها سُدى، إن لم تكن مهمة، فما هي أهمية العائلة؟ إن لكل إنسان احتياجات، جزء من هذه الاحتياجات نفسي معنوي واحتياجات مادية. تحقق العائلة على الأقل سبعة احتياجات، منهم أربعة احتياجات نفسية (من أهم الاحتياجات النفسية)، وأيضا احتياجات مادية.
ما هي هذه الاحتياجات؟
· أولاً: إن العائلة توفر لك الانتماء. ماذا نعني بالانتماء؟ يقول العلماء إن الشباب خلال مرحلة المراهقة، وخاصة في سن الثالثة عشر والرابعة عشر فأكثر، يحتاج إلى أن يشعر بالانتماء، ومكان الانتماء الطبيعي الذي بداخل الشباب هو العائلة، ولذلك يقول الله تعالى: "...وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..." (الحجرات: 13)، أي أن الله تعالى زكى وجود شعوب وقبائل، وأن يكون الفرد مرتبطا بعائلة ما. فالأنبياء لهم شجرة عائلة، يفتخر النبي صلى الله عليه وسلم بعائلته، ولكن ماذا لو لم يكن هذا الانتماء موجودا فعلا؟ يجب أن يكون الشباب في سن الثالثة عشر والرابعة عشر والخامسة عشر منتميا. إن كنت قد أبعدته عن العائلة فسيبحث عن انتماء غير طبيعي، فقد تتلقفه جماعات التطرف، وسوف يستجيب لهم، وسيضمونه في هذه الفترة لأنه مستعد أن يرتمي بأحضان من يعرض عليه الانتماء، وحتى وإن كان هذا الانتماء خطأً، وعندما يضغط عليه الأب لتركهم لن ينصاع لوالده؛ لأن والده لا يوفر له انتماءً بديلا. وقد ينتمي أيضا إلى جماعات المخدرات والفساد، لأنه لابد وأن ينتمي، وبالتالي لو كنت تخاف على أولادك من التطرف، أو المخدرات، أو الفساد فأعطهم الانتماء الطبيعي، فهو احتياج فطري.
· ثانيا: حماية الدين والأخلاق؛ وذلك عن طريق العائلة، فشبكة العائلة شبكة أخلاقية. تجمع العائلة مفتاح لانتشار الخير وليس الشر، فطالما هناك تجمع للعائلة يشعر الفرد بالخجل من أن يُرى وهو يعصي. كثير من الشباب يقول إنه لا يستطيع أن يعصي في المكان الفلاني لأنه قريب من سكنه، بل وقد تصل مع الشباب المستهتر أن يترك بلده ويسافر إلى بلد آخر إذا أراد أن يقوم بارتكاب خطأ أو فساد أو معصية؛ فيقول إنه لا يستطيع ارتكاب الخطأ في هذا المكان لأن به أرحامه، فالعائلة تصنع سياجا يمنعه من ارتكاب المعصية في هذه الحدود، فإذا أردت المعصية فأخرج خارج هذه الحدود. يقول سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) أي أن هناك أشياء تتغير بوجود كيان قوي أكثر من تغيرها بآية تأمر بأمر ما أو تنهى عن فعل ما، فإذا وجد رئيس للعائلة وسياج للعائلة، وتجمع للعائلة، فسيخجل من نفسه ويخشى على سمعته وسط العائلة، فيضطر إذا أراد ارتكاب الخطأ أن يبعد عن هذا الكيان، وبالتالي تحمي العائلة أخلاق أولادك، ولذلك هناك آية خطيرة في القرآن تقول: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ" (محمد:22)، ما علاقة الإفساد في الأرض بتقطيع الأرحام؟ قيل إن أول الفساد تفكك العائلة، فحضن العائلة يعطيك حماية للأخلاق وانتماء طبيعي تحتاج إليه، ويعطي شيئا آخر: إن المصائب كثيرة في بلادنا، فهناك مثلا من يموت ويترك أولاده، ولكن لو كانت العائلة موجودة، كالخالة والجد والعم، فيكون لديك أحضان كثيرة تقلل الألم الناتج عن المصائب الكثيرة، فقديما كان هناك من تموت أمه لتربيه خالته، ومن تربيه عمته كوالدته تماما، أما الآن يموت من يموت، فالجميع يهرب - لا يريد تربية اليتيم- وقد تكون المتوفاة أختها فتستعطف زوجها ليعيش ابن أختها معهم في البيت، فيقول لها كيف تفكرين وأين عقلك؟
عندما مات زوج "آمنة بنت وهب" أم النبي صلى الله عليه وسلم، والتي كانت امرأة عاقلة فجعلت تقرب النبي من جده ومن أعمامه، وخرجت به إلى المدينة لكي يتعرف على أخواله الذين يعيشون في بلد آخر. خرجت وحدها هي والخادمة، أربعمائة أو خمسمائة كيلومتر ليتعرف على أخواله، ليمر الزمن ويعود الرسول - الذي خرج وعمره ست سنوات- إلى المدينة مرة أخرى إليها، ويقف أخواله بنو النجار إلى جانبه، ويكونوا هم أول بيت ينزل به. يقول النبي عن ناقته القصواء (دعوها فإنها مأمورة)، فتقف عند بيت أخواله الذين أخذته أمه لزيارتهم وعمره ست سنوات، لذا عندما ماتت أمه لم يكن من الغريب أن يعود إلى بيت جده، لأن حضن جده كان موجودا ليهون عليه، وعندما مات جده لم يكن غريبا أن يذهب إلى عمه، وربته زوجة عمه "فاطمة بنت أسد" وكان عمره ثماني سنوات، ونزل قبرها وخلع عباءته وكفنها بها، إكراما لها لأنها ربته صغيرا
· ثالثا: إن العائلة توفر الاحتضان عندما تحدث المصيبة، الكل يهتم بمصلحته ومصلحة أولاده، أليس مصيرك هو الموت؟ ألم يكن من الأفضل أن تعرفهم بالعائلة؟ ليت حضن العائلة كان قويا ليجمعهم ويمسح دموعهم، فحتى لو أخذه عمه فهو غريب عنه، لقد تربى النبي في بيت "فاطمة بنت أسد"، وتنقل بين أربعة بيوت وعمره ثماني سنوات، فهم عائلة واحدة، وقد هون ذلك عليه قليلا، فقد تربى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عمه، وتربى ابن عمه "علي بن أبي طالب" في بيته. تربى الرسول في بيت عمه وكان لديه ثمانية أعوام، وتربى ابن عمه في بيته وكان لديه أيضا ثمانية أعوام.
أحيانا، يكون هناك خالات وعمات لم يرزقن بأطفال، فيكون حضن هذا الطفل حضن لها أيضا، من يفكر بهذا الشكل؟ من تفكر أن أختها لم ترزق بأطفال، بالتالي بدلا من أن يسكن كلٌّ على حدة، فلتجتمع العائلتان في بيت واحد لتشعر الأخت التي لم ترزق بطفل بأن لديها أطفال؟ من تفكر بأنها ستموت يوما ما، وأن ابنها سيكون له عمة تعطف عليه؟ من يرى أن هذه العائلة هي أداة ضد المصائب؟